أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة للدكتور محمد حرز بعنوان : سنن الله الكونية في القرآن الكريم

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : سنن الله الكونية في القرآن الكريم ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 29 شوال 1444هـ ، الموافق 19 مايو 2023م. 

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 19 مايو 2023م بصيغة word بعنوان : سنن الله الكونية في القرآن الكريم ، للدكتور محمد حرز.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 19 مايو 2023م بصيغة pdf بعنوان : سنن الله الكونية في القرآن الكريم ، للدكتور محمد حرز.

عناصر خطبة الجمعة القادمة 19 مايو 2023م بعنوان : سنن الله الكونية في القرآن الكريم .

 

أولًا: السننُ الكونيةُ دليلٌ على وحدانيتهِ سبحانَهُ.

ثانيـــًا: سننٌ ربانيةٌ لا تتبدلُ ولا تتغيرُ.

ثالثـــًا وأخيرًا: هل مِن متعظٍ قبلَ فواتِ الأوانِ!

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 19 مايو أبريل 2023م بعنوان : سنن الله الكونية في القرآن الكريم : كما يلي:

خطبة الجمعة القادمة : سننُ اللهِ الكونيةُ في القرآنِ الكريمِ

للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 29 شوال 1444هـ، الموافق  19 مايو  2023م

الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ (فصلت: 53)، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه، وَأشهد أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ مِن خلقهِ وخليلُهُ، فاللهمَّ صلِّ وسلمْ على مسكِ الختامِ، وخيرِ مَن صلَّى وصام، وتابَ وأنابَ، ووقفَ بالمشعرِ، وطافَ بالبيتِ الحرامِ، ، وعلى آلهِ وصحبهِ الأعلامِ، مصابيحِ الظلامِ، خيرِ هذه الأمةِ على الدوامِ، وعلى التابعينَ لهم بإحسانٍ والتزام.

أمَّا بعدُ: فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوىَ العزيزِ الغفارِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران :102)

عبادَ الله: ((سننُ اللهِ الكونيةُ في القرآنِ الكريمِ )) عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا.

عناصر اللقاء : 

أولًا: السننُ الكونيةُ دليلٌ على وحدانيتهِ سبحانَهُ.

ثانيـــًا: سننٌ ربانيةٌ لا تتبدلُ ولا تتغيرُ.

ثالثـــًا وأخيرًا: هل مِن متعظٍ قبلَ فواتِ الأوانِ!

 

أيُّها السادةُ:  ما أحوجنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلي أنْ يكونَ حديثُنَا عن سننِ اللهِ الكونيةِ في القرآنِ الكريمِ ،وخاصةً في أزمنةِ الأحداثِ الجسامِ نحتاجُ إلى أنْ نذكرَ أنفسَنَا ونذكرَ الناسَ بسننِ اللهِ القدريةِ، فالأحداثُ الكُبرى قد تطيشُ فيها عقولٌ، وتذهلُ فيها أفئدةٌ، وقد تزلُّ فيها أقدامُ أقوامٍ، وتضلُّ أفهامُ آخرين، والهدايةُ مِن عندِ اللهِ، قالَ جلّ وعلا﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾فهي بمثابةِ طوقِ النجاةِ مِن ظلماتٍ بعضُهَا فوقَ بعضٍ إذا أخرجَ العبدُ يدَهُ لم يكدْ يراهَا.

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : سنن الله الكونية في القرآن الكريم

أولًا: السننُ الكونيةُ دليلٌ على وحدانيتهِ سبحانَهُ.

 أيُّها السادةُ: إِنَّ الْمُتَأَمِّلَ فِي هَذَا الْكَوْنِ الْوَاسِعِ يرى عظمةَ وقدرةَ اللهِ جلَّ وعلا ومعجزاتِهِ ويتعجبُ لقدرتهِ التي لا يستطيعُ أحدٌ أنْ يأتي ولو بقليلٍ منها، حيثُ يزدادُ العبدُ إيمانًا وتقربًا إلى اللهِ تباركَ وتعالى، فكلُّ شيءٍ في السماءِ والأرضِ مدبرٌ بأمرٍ مِن اللهِ جلَّ وعلا، وإنّ المخلوقاتِ كلَّهَا في يدِ اللهِ تعالى لا تنفكُّ عن محضِ علمهِ وقدرتهِ وتدبيرهِ، يدبرُ الأمرَ ويرسلُ الرياحَ وينزلُ الغيثَ، وكلمةُ الكونِ لا تشملُ فقط السماءَ وما فيها مِن قمرٍ وشمسٍ ونجومٍ وغيرِهَا، فهذه نظرةٌ محدودةٌ جدًا، حيثُ إنّ الكونَ يشتملُ على كافةِ المخلوقاتِ الكائنةِ فيه، وجميعِ ما يتعلّقُ بها ويرتبطُ بها مِن قوى وعملياتٍ متعددةٍ في الزَّمانِ والمكانِ، فمفهومُ الكونِ واسعُ النطاقِ بل أوسعُ مِمّا يتصورُهُ الإنسانُ، وأكبرُ مِمّا يتخيلُهُ العقلُ , والآياتُ الكونيةُ في القرآنِ كثيرةٌ وعظيمةٌ تدلُّ على قدرةِ اللهِ وعظمتهِ جلَّ شأنُهُ  منها على سبيلِ المثالِ لا الحصرِ: خلقُ السماواتِ والأرضِ، واختلافُ الليلِ والنهارِ، وطلوعُ الشمسِ والقمرِ، وهبوبُ الرياحِ ونزولُ الأمطارِ، والنجومُ والجبالُ والشجرُ والدوابُّ، والزلازلُ والفيضاناتُ والعواصفُ آيةٌ مِن آياتِ اللهِ عزَّ وجلَّ، تدلُّ على العظمةِ والسلطانِ والجبروتِ وأشياءَ كثيرةٍ لا تُحصى كلّهَا مِن آياتِ اللهِ الكونيةِ.

فمَن نظرَ إلى السماءِ وحسنِهَا وكمالِهَا، وارتفاعِهَا وقوتِهَا، أيقنَ  قدرتَهُ وعظمتَهُ  وأبداعَهُ سبحانَهُ لهذا الكونِ العملاقِ قال جلَّ وعلا : ((أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا)النازعات:27 – 28.قال جلًّ وعلا ((وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)[الذاريات: 47 قال جلَّ وعلا ((فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ)((الملك: 3 – ,4 ) قال جلَّ وعلا : ((أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ((ق: 6. قال تعالى: ((وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ(( بل ومَن نظرَ إلى الأرضِ واتساعِهَا وكيف مهدَهَا اللهُ جلَّ وعلا لعبادهِ، وسلكَ لنَا فيها سبلًا لأيقنَ عظمةَ وقدرةَ الخالقِ سبحانَهُ قال جلَّ وعلا : (( وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا(((فصلت:10) ويسرَهَا لعبادهِ سبحانَهُ، فجعلَهَا لهم ذلولًا يمشونَ في مناكِبِهَا ويأكلونَ مِن رزقهِ، فيحرثونَ ويزرعونَ ويستخرجونَ منها الماءَ، فيسقونَ ويشربونَ.وكيف جعلَهَا اللهُ -تعالى- قرارًا للخلقِ لا تضطربَ بهم، ولا تزلزلَ بهم إلَّا بإذنِهِ سبحانَهُ قال جلَّ وعلا :((وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ((الذاريات: 20) وقال جلَّ وعلا: ( وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ)(الرعد: 4)مختلفةٌ في ذاتِهَا وصفاتِهَا ومنافعِهَا.وجعلَ فيها سبحانَهُ جناتٍ قال جلَّ وعلا ((مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ(الرعد:4 .

ومِن سننهِ  –سبحانَهُ  الكونيةِ -: اختلافُ الليلِ والنهارِ، فالليلُ جعلَهُ سكنًا للعبادِ يسكنونَ فيهِ، وينامونَ ويستريحون, والنهارُ جعلَهُ معاشًا للناسِ يبتغونَ فيهِ مِن فضلِ اللهِ  قال جلَّ وعلا ))قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (القصص: 71 – 73.

 ومِن سننهٍ  –سبحانَهُ  الكونيةِ -: الشمسُ والقمرُ، يجريانِ بسيرٍ منتظمٍ، لا تغيّرَ فيهِ ولا انحراف، ولا فسـادَ ولا اختلاف، قال جلَّ وعلا ﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ… ﴾ (يس: 38، 39 ) وفي صحيحِ مسلمٍ مِن حديثِ أبي ذرٍ رضى اللهُ عنه قال :قالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأبِي ذَرٍّ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ: أتَدْرِي أيْنَ تَذْهَبُ؟ قُلتُ: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: فإنَّهَا تَذْهَبُ حتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ العَرْشِ، فَتَسْتَأْذِنَ، فيُؤْذَنُ لَهَا، ويُوشِكُ أنْ تَسْجُدَ، فلا يُقْبَلَ منها، وتَسْتَأْذِنَ فلا يُؤْذَنَ لَهَا، يُقَالُ لَهَا: ارْجِعِي مِن حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعُ مِن مَغْرِبِهَا، فَذلكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} يس  38.قال جلَّ وعلا: ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا للهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ (فصِّلت: 37 )فمَن الذي سيّرَ أفلاكَهَا؟! ومَن الذي نظّمَ مَسارَهَا وأشرفَ على مدارِهَا؟! ومَن أمسكَ أجرامَهَا ودبّرَ أمرَهَا؟! ﴿ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ﴾ الأنعام: 91، قال جلَّ وعلا﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ))فاطر: 41، قال جلَّ وعلا ﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ النمل: 88

ومِن آياتِ اللهِ -سبحانَهُ-: النجومُ ومدارُهَا، فالنجومُ خُلقتْ لنهتدِيَ بها في ظلماتِ البرِّ والبحرِ قال جلَّ وعلا (( وهو الذَّي جعل لكم النُّجوم لتهتدوا بها في ظلمات البّرِ والبحرِ قد فصِّلنا الآيات لقومٍ يعلمون )) الأنعام : 97

 ومِن سننهِ  –سبحانَهُ  الكونيةِ:-  زلازلُ مدمرةٌ وأوبئةٌ وأمراضٌ مهلكةٌ وأعاصيرُ عاتيةٌ وأمواجٌ وفيضاناتٌ طاغيةٌ وحرائقٌ مخيفةٌ ورياحٌ تسيرُ بسرعاتٍ مذهلةٍ وجنودٌ غيرُ متناهيةٍ ﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ ﴾ المدثر: 32 , وآياتٌ مسخراتٌ لا تطيقُها الطاقاتُ ولا تقدرُ عليها القدراتُ ولا تنفعُ معها التنبؤاتُ والترصداتُ، قال جلَّ وعلا﴿ أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ (النحل: 45 – 47)ويقولُ سبحانَهُ وتعالى: ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ ﴾ الملك: 16، 17.فسبحانكَ ربَّنَا ما أعظمَك فلا قدرةَ فوقَ قدرتِكَ ولا قوةَ فوقَ قوتِكَ تخلقُ ما تشاءُ وتأمرُ بمَا تشاءُ وتمسكُ ما تشاءُ عمَّن تشاءُ وترسلُ ما تشاءُ إلى مَن تشاءُ، سبحانَك ما أعظمكَ هواءٌ وماءٌ وأرضٌ وسماءٌ وبرٌّ وبحرٌ ونجومٌ وكواكبُ وإنسٌ وجنٌّ ومخلوقاتٌ كثيرةٌ ما لا نعلمُهُ منها أكثر ممَّا نعلمُهُ ومالا نراهُ منها أكثر مِن الذي نراهُ، وكلُّهُم جنودٌ للهِ خاضعونَ لعظمةِ اللهِ جلَّ جلالهِ. فمَن تأملَ في هذا كلِّه علمَ وأيقنَ كمالَ قدرةِ اللهِ -تعالى-، ورحمتهِ بعبادهِ، وعظمتهِ سبحانَهُ، وأبداعهِ في خلقهِ.. وللهِ درُّ القائلِ  

بك أستجيرُ ومَن يجيرُ سواكَا *** فأجرْ ضعيفًا يحتمِي بحماكَ
إنِّي ضعيفٌ أستعينُ على قوىَ *** ذنبِي ومعصيتِي ببعضِ قواكَا
أذنبتُ ياربِّي وآذتنِي ذنوبٌ *** مالَها مِن غافرٍ إلّا كَا
دنياي غرتنِي وعفوكَ غرنِّي *** ماحيلتِي في هذهِ أو ذا كَا

يا غافرَ الذنبِ العظيمِ وقابلًا *** للتوبِ قلبٌ تائبٌ ناجاكَا
أتردَّهُ وتردَّ صادقَ توبتِي *** حاشَاكَ ترفضُ تائبًا حاشاكَ

فليرضَ عنِّي الناسُ أو فليسخطُوا *** أنَا لم أعدْ أسعَى لغيرِ رضاكَا

أيُّها السادةُ: لفتَ اللهُ جلَّ وعلا الأنظارَ إلى الآياتِ الكونيةِ الدالةِ على وحدانيتهِ ورحمتهِ في قرآنهِ فقال جلَ وعلا :((إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة: 164)،بعدَ أنْ قالَ وهو أصدقُ القائلين  (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) (البقرة:163 ) إنَّها دعوةٌ إلى التدبرِ في الكونِ وتأمّلِ مدى دقتهِ وتناسقِ نواصيهِ وأجزائهِ. فالكونُ مليءٌ بالآياتِ القرآنيةِ الدالةِ على وحدانيةِ اللهِ، وصدقِ رسولِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم. قالَ جلَّ وعلا ((سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(( فصلت53 فالكونُ كلُّهُ خلقًا وتدبيرًا يشهدُ بوحدانيةِ اللهِ ..قال ربُّنَا  (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (الأعراف: 54 .

فهو سبحانَهُ خلقَ السماواتِ والأرضَ .. وجعلَ اختلافَ الليلِ والنهارِ .. ونوَّعَ أصنافَ الجمادِ والنباتِ والثمارِ .. وخلقَ الإنسانَ والحيوانَ .. كلُّ ذلك يدلُّ على أنَّ الخالقَ العظيمَ واحدٌ لا شريكَ لهُ .. (ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ  فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ )غافر/62 .وتنوعُ هذه المخلوقاتِ وعظمتُهَا .. وإحكامُهَا وإتقانُهَا .. وحفظُهَا وتدبيرُهَا كلُّ ذلك يدلُّ على أنَّ الخالقَ واحدٌ يفعلُ ما يشاءُ .. ويحكمُ ما يريدُ .. (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ )  الزمر/62 .فالآياتُ تبينُ   أنَّ لهذا الخلقِ خالقًا .. ولهذا المُلكِ مالكًا .. ووراءَ الصورةِ مصورٌ .. (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ  لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ (( الحشر24 .وصلاحُ السماواتِ والأرضِ .. وانتظامُ الكونِ .. وانسجامُ المخلوقاتِ مع بعضِهَا .. يدلُّ على أنَّ الخالقَ واحدٌ لا شريكَ لهُ .. (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) الأنبياء/22 .قال جلًّ وعلا ((  أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ))النمل: 60- 64 .ولما سُئل َالأعرابيُّ: ما الدليلُ على وجود ِاللهِ؟ فقالَ: الأثرُ يدلُ على المسيرِ، والبَعْرَةُ تدلُ على البعيرِ، فسماءٌ ذاتُ أبراجٍ وأرضٌ ذاتُ فجاجٍ وبحارٌ ذاتُ أمواجٍ ألا يدلُّ ذلك على السميعِ البصيرِ؟

بل هناك مشاهدُ وسننٌ كوْنيةٌ تتكرَّرُ في الصباحِ والمساءِ، وهي جزْءٌ مِنْ عظمةِ اللهِ في كوْنهِ، وآيةٌ على وحْدانيتهِ، وداعيةٌ إلى العبوديةِ والشكْرِ لهُ سبْحانَهُ قال ربُّنَا ﴿ وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ * سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ﴾ يس: 33 – 36

وفي كلِّ شيءٍ لهُ آيةٌ *** تدلُّ على أنَّهُ الواحدُ

وسُئِلَ الشافعيُّ رحمَهُ اللهُ ما الدليلُ على وجودِ اللهِ قال: ورقةُ التوتِ طعمُهَا واحدٌ، لكنْ إذا أكلَهَا دودُ القزِّ أخرجَهَا حريرًا، وإذا أكلَهَا النحلُ أخرجَهَا عسلًا، وإذا أكلَهَا الظبيُ أخرجَهَا مسكًا ذا رائحةٍ طيبةٍ.. فمَن الذي وحدَ الأصلَ وعددَ المخارجَ؟ !!!

للهِ في الآفاقِ آياتٌ لعلَّ *** أقلّهَا هو ما إليهِ هداكَا
ولعلَّ ما في النفسِ مِن آياتهِ *** عجبٌ عجابٌ لو ترى عيناكَا
والكونُ مشحونٌ بأسرارٍ إذا *** حاولتَ تفسيراً لهَا أعياكِا

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : سنن الله الكونية في القرآن الكريم

ثانيـــًا: سننٌ ربانيةٌ لا تتبدلُ ولا تتغيرُ.

أيُّها السادةُ:  كما أنّ للهِ سننًا كونيةً لا تتبدلُ ولا تتغيرُ، فهناك سننٌ ربانيةٌ لا تتغيرُ ولا تتبدلُ،  وسننُ اللهِ تعالى في عبادهِ لا تتبدلُ ولا تتغيرُ، ولا يمكنُ لأيِّ قوةٍ مهما بلغتْ أنْ تعطلَ للهِ تعالى أمرًا ، أو تردَّ له قدرًا ، أو تبطلَ سنةً مِن سننهِ، قالَ جلّ وعلا (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً) [الأحزاب: من الآية38] (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [النحل:40]  (وَمَا أَمْرُنَا إِلاّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) [القمر:50]

أولُهَا: سنةُ التغييرِ: قالَ جلّ وعلا (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد: 11]، فهي سنةٌ عامةٌ شاملةٌ لكلِّ بنِي الإنسانِ، قالَ جلّ وعلا (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[الأنفال: 53]؛ فاللهُ لن يغيرَ حالَ قومٍ مِن وضعٍ مرضِي مريحٍ إلى وضعٍ ضنكٍ مذمومٍ أو العكس، إلّا إذا غيرَ هؤلاءِ القومُ ما في قلوبهِم، فإذا وجهُوا قلوبَهُم إلى مولاهُم وامتثلُوا أوامرَهُ وابتعدُوا عن نواهيهِ غيّرَ اللهُ حالَهُم إلى أحسنِ حالٍ.فاللهُ -سبحانه- غيّرَ حالَ أقوامٍ مِن الضعفِ إلى القوةِ ومِن الذلِّ إلى العزِّ لَمّا رجعُوا إليهِ واتقُوه، يقولُ -تعالى- ممتنًا على المهاجرين مِن أصحابِ رسولِ اللهِ الذين فارقُوا ديارَهُم وضحُّوا بأموالِهِم في سبيلِ دينِهِم، يقولُ -سبحانه-: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[الأنفال: 26]،فإذا أردتُم التغيرَ في حياتِكِم مِن السيئِ إلى الأحسنِ فعليكُم بغتيرِ أحوالِكُم مع ربِّكُم جلّ جلالُه، قالَ ربُّنَا ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا)[طه: 124-125).

ومِن سننهِ الربانيةِ سنةُ التداولِ: فالأيامُ دولٌ ياسادةٌ مَن سرَّهُ زمنٌ ساءتْهُ أزمانُ، قال جلّ وعلا (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) آل عمران، فالتجربةُ البشريةُ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ هي مزيجٌ مِن النجاحِ والفشلِ، والانتصاراتِ والانكساراتِ، والأيامُ دولٌ وخاصةً وأنّ الإنسانَ في هذه الدنيا متقلبُ الأحوالِ ، بينَ صحةٍ ومرضٍ ، وسعادةٍ وحزنٍ ، وغنى وفقرٍ، وخوفٍ وأمنٍ ، وجوعٍ وشبعٍ ، وشدةٍ وفرجٍ ، ولكنّ هذه الشدةَ لا تدومُ، بل ((سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)) (الطلاق: 7 ) ولنعلمَ جميعًا أنّ دوامَ الحالِ مِن المُحالِ، وأنّ سنةَ اللهِ لا تُحابي ولا تجاملُ أحدًا، فإذا أدركنَا ذلك وطَّنَّا أنفسَنَا، وهيَّأْناها للتعامِل مع أقدارِ اللهِ:

هِي الأمور كَمَا شَاهَدتّها دُوَلٌ *** مَنْ سَرَّهُ زَمَنٌ سَاءَتْهُ أَزْمَانُ

وللهِ درُّ القائلِ

اصْبِرْ لِدَهْرٍ نَالَ مِنْـ … ـكَ فَهَكَذَا مَضَتِ الدُّهُورُ

فَرَحٌ وَحُزْنٌ مَرَّةً … لَا الْحُزْنُ دَامَ وَلَا السُّرُورُ.

ومِن سننهِ الربانيةِ سنةُ التدافعِ: بينَ الإيمانِ والكفرِ، وبينَ العدلِ والظلمِ، وبينَ الحقِّ والباطلِ، (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) [البقرة: من الآية251] (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً) [الحج: من الآية40]  ودولةُ الباطلِ ساعةٌ ودولةُ الحقِّ إلى قيامِ الساعةِ، قالَ جلّ وعلا (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمْ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ) [ الأنبياء: 18].

ومِن سننهِ الربانيةِ سنةُ الابتلاءِ: فاللهُ جلّ وعلا جعلَ الابتلاءَ للمؤمنين سنةً جاريةً ، فالدنيا دارُ ابتلاءٍ وبوتقةُ اختبارٍ ،فالدنيا إذا حَلتْ أوحلتْ ،وإذا كستْ أوكستْ، وإذا أضحكتْ أبكتْ ،وإذا أفرحتْ أحزنتْ، وإذا أعطتْ منعتْ، وإذا وهبتْ حرمتْ ،إذا لا تَبقَى هذه الحياةُ على حال))ٍ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ(((البلد: 4) لذا لما سُئِلَ الإمامُ أحمدُ رحمَهُ اللهُ: متى يجدُ العبدُ طعمَ الراحةِ؟، قال: “مع أولِّ قدمٍ يضعُهَا في الجنة”ِوما ضاقتْ الدنيا إلا فُرجتْ .

ضاقتْ فلما استحكمتْ حلقاتُها *** فُرِجَتْ وكنتُ أظنُّهَا لا تفرجُ

ومِن سننِ اللهِ في الكونِ أنّ الضياءَ يأتي بعد الظلامِ وأنّ اليسرَ يأتي بعد العسرِ وأنّ الفرجَ يأتي بعد الشدةِ قال ربُّنَا(( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا))الشرح: 5- 6

يا صاحبَ الهمِّ إن الهمَّ منفرجٌ *** أبشر بخيرٍ فإنّ الفارجَ الله ُ

إذا بُليتَ فثق بالله ِوارضَ به*** إنّ الذي يكشفُ البلوى هو اللهُ

اليأسُ يقطعُ أحيانًا بصاحبه ِ*** لا تيأسنَّ فإنّ الفارجَ الله ُ

اللهُ يُحدثُ بعد العسرِ ميسرةً*** لا تجزعنَّ فإنّ الكافيَ اللهُ

واللهِ مالكَ غير اللهِ من أحدٍ  *** فحسبكَ الله ُفي كلٍّ لك اللهُ

وانتظارُ الفَرَجِ عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ أَجَلِّ العِبَادَاتِ، وَمِنَ المُحَالِ دَوَامُ الحَالِ، وَاللهِ الذي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، سَيَكُونُ بَعْدَ الجُوعِ شِبَعٌ، وَبَعْدَ الظَّمَأِ رِيٌّ، وَبَعْدَ الخَوْفِ أَمْنٌ، وَبَعْدَ المِحَنِ مِنَحٌ، وَبَعْدَ السَّهَرِ نَوْمٌ، وَبَعْدَ المَرَضِ عَافِيَةٌ قال جلّ جلاله ﴿فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ﴾ (المائدة 52). قال جلّ وعلا:﴿لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾(الطلاق:1)

دعْ الأيامَ تفعل ما تشاءُ *** وطبْ نفسًا إذا حكمَ القضاءُ

ولا تجزعْ لحادثةِ الليالي *** فما لحوادثِ الدنيا بقاءٌ

ودعْ المقاديرَ تجري في أعَنّتِهَا***ولا تبيتنّ إلا خاليَ البال

ما بين غَمضةِ عَين وانتباهتهَا ***يغيّرُ اللهُ مِن حالٍ إلى حالِ

أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم…………..

الخطبةُ الثانيةُ  الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلَّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلّا بهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ  ……        وبعدُ  

العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : سنن الله الكونية في القرآن الكريم

ثالثـــًا وأخيرًا: هل مِن متعظٍ قبلَ فواتِ الأوانِ!

  أيُّها السادةُ: سننُ اللهٍ -تعالى- تُعلمنَا: عدمَ تسويفِ التوبةِ، وتأخيرِ العودةِ إلى اللهِ: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ[غافر: 85].

فإذًا، لماذا نؤخرُ التوبةَ؟ ونؤخرُ العودةَ إلى اللهِ؟ ونؤخرُ الإيمانَ؟ إذا كان لو حصلَ القدرُ وجاءَ العذابُ، ما ينفعُ الندمُ، ولا تنفعُ التوبةُ؟ فهل مِن متعظٍ قبلَ فواتِ الآوانِ ؟ هل مِن عائدٍ إلى علامِ الغيوبِ وستيرِ العيوبِ قبلَ فواتِ الآوانِ؟

سننُ اللهِ تعلمُنَا: المحاسبةَ  ومراجعةَ النفسِ والتفكرَ في الأسئلةِ يومِ القيامةِ وأنْ تعلمَ أنَّك مسئولٌ يومَ القيامةِ، ليس سؤالَ المذنبين فقط، فاللهُ تعالى يقولُ في كتابهِ العزيزِ { لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا إليمًا (8) } ، وإذا كان الصادقين سيسألُهُم اللهُ عن صدقِهِم فما بالُكَ بغيرِهِم؟! ((فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ))الأعراف 6 وحتى الرسلُ يُسألونَ..!!!المحاسبةُ تقودُ إلى التوبةِ ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا ) [الأعراف: 201]فيا مَن أسرفتَ على نفسِكَ بالذنوبِ  عُدْ إلى ربِّكَ واندمْ على ما فرطتَ في جنبِ اللهِ وردَّ الحقوقَ إلى أهلِهَا، واعلمْ أنَّ اللهَ يفرحُ بتوبتِكَ  وهو الغـنيُّ عنك وعن عبادتِكَ  قال تعالى  ] قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُــوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنـُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُـورُ الرَّحِيمُ [ [ الزمر : 53 ]، بل اعلمْ أنَّ اللهَ يفرحُ بتوبتِكَ وهو الغنيُّ عنك وعن عبادتِكَ قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ }[سورة  فاطر :آية رقم ( 15 -17]وعن  أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتعالى يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبالي يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبالي يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً) رواه الترمذي.

سننُ اللهِ تعلمُنَا: أنَّ الموتَ لا يدقُّ بابًا ولا يهابُ سلطانًا ولا يستأذنُ حارسًا ، ولا يقبلُ هديةً ولا رشوةً، يقولُ لك هيهاتَ هيهاتَ انقطعتْ مدتُكَ، وانقضتْ أنفاسُكَ، ونفذتْ ساعاتُكَ فليس إلى تأخيرِكَ مِن سبيل ؟  ما سرقَ ما زنَى ما أكلَ الحرامَ ما تحدثَ في أعراضِ الناسِ ما أكلَ الحقوقَ ما أكلَ حقوقَ البناتِ ما أكلَ حقوقً اليتامَى ؟لو علمَ أنَّ الموتَ يأتِي بغتةً ما ضيعَ الصلاةَ ما ضيعَ الزكاةَ ؟ ما أكلَ الحرامَ؟ لذا قالَ النبيُّ المختارُ  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ يَعْنِي الْمَوْتَ)، (رواه الترمذي قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ)، فمَن استبعدَ موتَهُ ونسي قبرَهُ وأطالَ عمرهُ فليقرأْ حديثَ أبي ذرٍـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ  :(عَجِبْت لِمَنْ أَيْقَنَ بِالنَّارِ ثُمَّ يَضْحَكُ ، وَعَجِبْت لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْقَدَرِ ثُمَّ يَتْعَبُ ، وَعَجِبْت لِمَنْ رَأَى الدُّنْيَا وَتَقَلُّبَهَا بِأَهْلِهَا ثُمَّ يَطْمَئِنُّ إلَيْهَا ، وَعَجِبْت لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ ثُمَّ يَفْرَحُ ، وَعَجِبْت لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْحِسَابِ غَدًا ثُمَّ لَا يَعْمَلُ } أو يقرأ قولَ أبي الدرداءِ: كفي بالموتِ واعظًا، كفي بالدهرِ مفرقًا، الْيَوْمُ فِي الدُّورِ وَغَدًا فِي الْقُبُورِ.  يا ربِّ سلمْ لأنَّ مَن لم يمرضْ فجأةً ماتَ فجأةً فحذرُوا مفاجأةَ ربِّكُم  .

أبَتْ نَفْسِي تَتُوبُ فَمَا احْتِيَالِي … إذَا بَرَزَ العِبَادُ لِذِي الجَلالِ

و قَامُوا مِنْ قُبُورِهِمُ سُكَارَي … بِأوْزَارٍ كأمْثَالِ الجِبَالِ

وقَدْ مُدَّ الصِّراطُ لِكَيْ يجُوزُوا … فَمِنْهُمْ مَنْ يُكَبُّ عَلَي الشِّمَالِ

فمِنْهُمْ من يّسِيرُ لدَارِ عَدْنٍ … تَلَقّاهُ العَرَائِسُ بِالغَوَالِي

إذَا مُدّ الصِّرَاطُ عَلَي جَحِيمٍ … تَصُولُ عَلَي العُصَاةِ و تَسْتَطِيلُ

فَقَوْمٌ فِي الجَحِيمِ لَهُمْ ثُبُورٌ … وَ قَوْمٌ فِي الجِنَانِ لَهُم مَّقِيلُ

يَقُولُ لَهُ المُهَيْمِنُ يا وَلِيِّي … غَفَرْتُ لَكَ الذُّنُوبَ فَلا تُبَالِي

حفظَ اللهُ مصرَ قيادةً وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.

عبادَ اللهِ: اذكروا اللهَ يذكركُم واستغفرُوه يغفرْ لكم وأقم الصلاةَ …كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه

        د/ محمد حرز إمام بوزارة الأوقاف

_______________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »
error: Content is protected !!